في 15 کانون الأول 1982، أصدر سماحة الإمام الخميني (قدس سره) أمراً موجهاً إلى الجهاز القضائي وسائر الأجهزة التنفيذية في البلاد، عُرف لاحقاً بـ الأمر ذي البنود الثمانية.
غير أنّ السؤال المهم هو: ما هي الظروف التي دفعت الإمام إلى إصدار هذا الأمر؟
إنّ مضامين الأمر ذي البنود الثمانية تتمحور في الحقيقة حول الإقرار بحقوق الأفراد في المجتمع وترسيخ سيادة القانون، وهو ما كان غيابه يُعدّ من المشكلات التاريخية للنظام السياسي في إيران.
أسباب صدور الأمر ذي البنود الثمانية من قِبل الإمام الخميني (قدس سره)
بعد انتصار الثورة الإسلامية، بلغت مؤامرات الأعداء والتيارات المناهضة للثورة ذروتها. فقد هيّأت أحداثٌ من قبيل محاولة انقلاب «نوژه»، وقضية حزب «خلق مسلم»، وعمليات اغتيال قادة النظام الإسلامي وعامة الناس، إضافة إلى الأعمال المسلحة التي نفذتها منظمة المنافقين، مناخاً كان يُهدَّد فيه ـ بذريعة الحفاظ على مصالح البلاد ـ حقّ المواطن، بل وحتى حقّ المتهم.
وقد دفعت هذه الممارسات القائمة على الإفراط والتفريط سماحةَ الإمام الخميني (قدس سره)، الذي كان يؤكد دوماً على ضرورة الالتزام بالقانون وصيانة حقوق الناس، إلى إصدار أمرٍ مؤلف من ثمانية بنود. ويُعدّ هذا الأمر بمثابة ميثاق لكرامة الإنسان في مجال الحقوق الخاصة وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة في مواجهة السلطة والحكم، حيث يؤكد في جميع مواده على احترام حقوق الأفراد وضرورة الالتزام بالضوابط القانونية في التعامل مع الحقوق الشرعية والمدنية.
وبعد صدور هذا الأمر، استمر النقاش حوله لفترة طويلة في الأوساط المختلفة والمجالس ووسائل الإعلام. وجاء في نص هذا البيان، الموجَّه إلى الجهاز القضائي والهيئات التنفيذية في البلاد، ما يلي:
نصّ الأمر ذي البنود الثمانية للإمام الخميني (قدس سره)
بسم الله الرحمن الرحيم
استكمالاً للتنبيهات السابقة بشأن ضرورة أسلمة جميع الأجهزة الحكومية، ولا سيما الأجهزة القضائية، ووجوب إحلال أحكام الله تعالى في نظام الجمهورية الإسلامية محلّ الأحكام الطاغوتية للنظام الجائر السابق، لا بدّ من توجيه تنبيهات إلى جميع القائمين على شؤون البلاد. ونأمل إن شاء الله تعالى أن يُولوا هذه التنبيهات عنايةً خاصة مع الإسراع في تنفيذها:
1.يجب إعداد القوانين الشرعية وإقرارها وتبليغها بالدقة اللازمة وبأقصى سرعة ممكنة، كما ينبغي أن تُقدَّم القوانين المتعلّقة بالقضايا القضائية التي تمسّ عامة الناس وتكتسب أهمية أكبر على سائر التشريعات، لكي لا تتعطل أعمال السلطة القضائية أو تتأخر، ولكي لا تُضيَّع حقوق المواطنين. كما يجب أن يكون تبليغ هذه القوانين وتنفيذها في صدارة الأولويات.
2.ينبغي البتّ في أهلية القضاة والمدّعين العامّين والمحاكم بسرعة ودقة، لكي تصبح مجريات الأمور شرعية وإلهية، ولا تُنتهك حقوق الناس. وكذلك يجب النظر في أهلية سائر الموظفين والمتصدّين للشؤون العامة بكل حياد تام، من دون تساهل أو تعقيد جاهل يُنقل أحياناً عن بعض المتشدّدين، حتى لا يُقصى الأشخاص الصالحون والنافعون بذريعة إشكالات واهية أثناء تصفية العناصر الفاسدة والمفسدة. فالمعيار هو الوضع الراهن للأشخاص، مع التغاضي عن بعض الزلات التي وقعت في العهد السابق، إلا إذا ثبت بقرائن صحيحة أنهم لا يزالون حالياً مفسدين أو معرقلين.
3.لا يجوز لأيّ شخص أو جهة أن تتجاوز حدود صلاحياتها الشرعية والقانونية، أو أن تتدخل في شؤون القضاء أو تنفيذ الأحكام من دون إذنٍ قانوني. وإنّ أيّ تصرّف خارج إطار القانون يُعدّ ظلماً وعدواناً، ويجب منعه والتصدي له بحزم.
4.لا يجوز التعرّض لحرمة المنازل أو المحالّ أو الأشخاص، ولا يجوز الدخول إلى البيوت أو تفتيشها، أو ضبط الأموال أو الوثائق، أو التعرّض للأفراد، إلا وفق الضوابط الشرعية والقانونية وبعد صدور الإذن من الجهة القضائية المختصة. وأيّ مخالفة لذلك تُعدّ حراماً شرعاً ومخالفةً للقانون.
5.إنّ التجسّس على الناس، والتنصّت عليهم، وكشف أسرارهم، وتتبع عوراتهم، كلّ ذلك محرّم شرعاً، ولا يجوز لأيّ جهة أن تقوم بمثل هذه الأعمال بذريعة الثورة أو الأمن أو غير ذلك من الذرائع غير المشروعة.
6.لا يجوز إهانة المتهمين أو المشتبه بهم، ولا ممارسة أيّ نوع من الضغط أو الإكراه الجسدي أو النفسي عليهم، ولا يجوز انتزاع الاعتراف بالقوة أو التهديد أو التعذيب، لأنّ ذلك مخالف للشرع والقانون، ويُعدّ ظلماً صريحاً.
7.يجب أن تُراعى في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة والاحتجاز كرامة الإنسان وحقوقه الشرعية والقانونية، سواء كان المتهم مذنباً أم بريئاً، ولا يجوز التعدّي على حقوقه الشخصية أو الاجتماعية تحت أيّ ذريعة.
8.على جميع القضاة، والمسؤولين، والموظفين في الأجهزة القضائية والتنفيذية أن يدركوا أنّ حفظ حقوق الناس والالتزام بالقانون والعدل من أعظم الواجبات الشرعية، وأنّ أيّ تفريط أو تجاوز في هذا المجال يُعرّض صاحبه للمساءلة أمام الله تعالى وأمام القانون.
--------
القسم العربي، الشؤون الدولیة.